كتب: د. غزال أبو ريا

هل تذكّرون حين كان العيد يبدأ من ساعات الصباح الأولى،
يجمع الأب أفراد عائلته،
ويخرجون معًا لتهنئة الجيران والأقارب،
للعمّ والخال،
وفي الشوارع مجموعات تتبادل المعايدات والضحكات؟
أما اليوم،
ففي يوم العيد نفسه،
الشوارع خالية،
والناس في رحلات،
والبلد صامتة إلا من الذكريات… صرخة في القلب.

هل تذكّرون عند المساء،
حين كان الأقارب يذهبون إلى العرس جماعات،
وحين لم تكن كهرباء،
يحملون اللوكس ويذهبون للعرس،
ويغنّون في طريقهم من حيّ إلى حيّ،
فتسبق الأغنية الضوء،
وتسبق الفرحة المكان… صرخة فرح وحنين.

هل تذكّرون الجِمال في السهول وقت الحصاد،
حين كان الناس يساعدون بعضهم بعضًا،
قبل وجود الماكينات،
وكان الجهد مشتركًا
والخير للجميع… صرخة تعاون.

هل تذكّرون قبل العُرس،
حين كان صاحب الفرح يدعو الأقارب والجيران لفنجان قهوة،
ويقول ببساطة وصدق:
«عندي فرح… وبدي إياكم توقفوا معي»؟

هل تذكّرون وكيل العرس،
يلبس القنباز،
يتحمّل المسؤولية كاملة،
لا يهدأ حتى يأكل آخر شخص،
ثم يقترب من صاحب العرس ويقول:
«مبروك… تمّ الفرح»؟

هل تذكّرون الديوان،
حيث كان كبار السن يسردون الحكايات،
والأطفال جالسين يستمعون،
يتعلّمون الأدب والحكمة والتاريخ؟
كان الديوان مدرسة،
وكان الكلام تربية وثقافة… صرخة تعليم وعبرة.

هل تذكّرون الأم،
تطبخ وتلمّ العائلة حول المائدة،
أما اليوم،
فتطبخ وتنتظر،
هذا مشغول،
وذاك يطلب طعامًا جاهزًا،
وغابت اللَّمّة… صرخة فقدان اللمة.

هل تذكّرون في العرس،
حين كان صاحب العرس يجهّز لحم البقر أو العجل،
والناس فرِحة وممتنّة؟
أما اليوم،
فصاحب العرس يتحضّر للدفاع،
والبعض يقيّم الطعام
بدل أن يبارك الفرح… صرخة الفرح الضائع.

هل تذكّرون حين كانت البنت تزعل من زوجها
وتذهب إلى بيت أهلها،
فيُحضّر الأب والأم العشاء،
ويقولان بمحبة:
«تعشّيتي؟
واحنا بدنا إياك ترجعي لزوجك»؟

هل تذكّرون الأب،
حين كان القرار قراره،
والتوجيه توجيهه،
أما اليوم،
فكثيرون توقّفوا عن التوجيه،
وتركت الأبوة موقعها… صرخة ضياع القيم.

هل تذكّرون حين كان شخص واحد
“يمون” على بلد كاملة،
ويقنعها بأهمية السِّلم الأهلي؟
واليوم،
بلد لا تقنع وتمون على واحد… صرخة المجتمع المشتّت.

هل تذكّرون حين كانت تقع مشكلة،
فيدخل المصلح بين الناس،
وقد يُضرب،
وبالعامية «ينطرح»،
ويسيل الدم من رأسه،
وهو سعيد
لأنه أصلح بين الطرفين… صرخة التضحية من أجل السلام.
واليوم في المشكلة يكثر التصوير وبثه على المواقع.

هل تذكّرون عندما كان الأب يذهب ليسأل عن ابنه أو ابنته في المدرسة،
ويقول للمعلم:
«إلك اللَّحمة، وإليّ العَظمة»،
أي ربِّه وعلّمه ولو بالشدة،
من أجل أن يتعلّم ويستقيم؟
أما اليوم،
فالمعلّم يخاف من كل مشكلة،
خشية أن يصل الأمر إلى الشرطة،
فضاعت الهيبة،
وتعثّرت الرسالة… صرخة التربية الضائعة.

هل تذكّرون الأب،
قبل افتتاح المدرسة،
يشتري لأبنائه ملابس بسيطة،
والفرح يملأ القلوب؟
أما اليوم،
فالأبناء يصرّون على الماركات،
والبساطة أصبحت ذكرى… صرخة البراءة المفقودة.

هل تذكّرون حين كان المعلّم يذهب إلى المدرسة ماشيًا على قدميه،
يسير مع طلابه في الطريق نفسه،
قدوة قبل أن يكون مربيًا؟
أما اليوم،
فالطلاب يصلون بسيارات فخمة،
وتباعدت المسافات بين القدوة والمتعلّم… صرخة الغياب.

هل تذكّرون حين كنّا نأكل اللحم مرّة في الشهر،
وكان للطعم قيمة،
وللنعمة احترام؟
أما اليوم،
فإن لم تكن اللّحمة «إنتريكوت» أو «سِنتا»،
لا تُرضي البعض،
وضاعت البساطة كما ضاع الشبع الروحي… صرخة القيم الضائعة.

هل تذكّرون حين كان الصغير يحترم الكبير،
ويهاب المربّي،
ويقدّر الكلمة؟
أما اليوم،
فضاعت الهيبة،
وضاعت معها الطابة…
فضاعت الحدود… صرخة الطفولة المفقودة.

هل تذكّرون حين كانت مشكلة بين اثنين قبل العيد،
يقول أحدهما:
«لازم نعمل صُلْحة قبل العيد»،
كي لا يدخل العيد وفي القلوب خصام؟
أما اليوم،
فقد ترى في المسجد مصلّين،
لا يتحدّث أحدهم مع من بجانبه،
وهم في خصام،
حتى في بيت الله… صرخة الصلح الضائع.

هل تذكّرون أبًا كان يُعيل عشرة أبناء،
بالقليل،
وبالبركة،
وبالكرامة؟
أما اليوم،
فقد ترى عشرة أبناء
لا يُحسنون إعالة أبٍ وأمّ،
ولا ردّ الجميل… صرخة الوفاء المفقود.

هل تذكّرون حين كانت تخرب “سكرة البيت”؟
كان أشهر البيت بدون مفتاح، وساد الأمان…
صرخة تعاون وذكريات أمان.

هل تذكّرون المساعدة في صبّ الباطون قبل وجود الماكينات؟
الناس تساعد بعضهم بعضًا،
بأيديهم، وبقلوبهم… صرخة التضامن قبل الآلات.

هل تذكّرون حين لم يكن صراع أو خلاف، وأذا حدث تعاملوا معه بحكمة،
وكان التعاون أساس النجاح؟
أما اليوم،
فبدل أن نتعاون، “بلشانين ببعض”… صرخة التنافر والبعد عن القيم.

هل تذكّرون الأمان زمان،
حين كان البيت والشارع والحي يشعر الجميع بالطمأنينة،
والأبناء يلعبون بحرية،
والناس يثقون ببعضهم بعضًا؟
أما اليوم،
فالأمان فقد،
والقلوب متوترة،
والأمان أصبح ذكرى… صرخة غياب الطمأنينة.



كانت القيم تُعاش لا تُقال،
وكان الناس أقرب،
والقلوب أصفى.
ولم تكن القوّة في المال،
بل في المحبة والرحمة،
ولم تكن البركة في الكثرة،
بل في البساطة والوفاء.

أما اليوم، فالتغيرات واضحة…
فالمدنية والتكنولوجيا،
والسرعة في الحياة،
وتغير نمط الأسرة،
وفقدان بعض العادات الاجتماعية،
كلها ساهمت في بعد الناس عن بعضهم بعضًا،
وفقدان بساطة العلاقات… صرخة الماضي التي ما زالت تتردد في أعماقنا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com