حذّر أربعة من رؤساء المحكمة العليا في إسرائيل، الحالي وثلاثة من أسلافه، من تدهور غير مسبوق يطال النظام الديمقراطي في البلاد، معتبرين أن إسرائيل تتجه بسرعة نحو نموذج حكم استبدادي قائم على تركيز السلطة بيد فرد واحد، في ظل ما وصفوه بانهيار مبدأ فصل السلطات.
جاءت هذه التحذيرات خلال مؤتمر جمعية القانون العام، حيث قال رئيس المحكمة العليا الحالي، القاضي إسحاق عميت، إن إسرائيل تشهد "انحدارًا ديمقراطيًا لم نخرج منه بعد"، محذرًا من "محاولات منظمة ومخطط لها لمقاطعة جلسات المحكمة وتعطيل عملها"، الأمر الذي دفع المحكمة، بحسب قوله، إلى اتخاذ قرارات استثنائية بمنع دخول الجمهور في بعض الجلسات عند حدوث اضطرابات.
وأشار عميت إلى أن "الهجمات على القضاة لم تعد تقتصر على انتقاد الأحكام، بل وصلت إلى التشكيك في هوياتهم وأصولهم ومعتقداتهم"، مؤكدًا أن "مقاطعة وزير العدل له ليست مسألة شخصية، بل تمثل مقاطعة مباشرة للنظام القضائي".
من جهته، اعتبر رئيس المحكمة العليا الأسبق، القاضي أهارون باراك، أن الوضع "أسوأ مما يبدو"، مشيرًا إلى أن "فصل السلطات قد انهار فعليًا"، وأن رئيس الحكومة بات يسيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يعني – وفق تعبيره – الانتقال نحو "حكم فردي فعلي". وأضاف باراك: "نحن لم نعد مواطنين بل رعايا"، محذرًا من أن التحول نحو الديكتاتورية يتم تدريجيًا، لا دفعة واحدة، خاصة عبر محاولات إخضاع تعيين القضاة للسلطة السياسية.
بدورها، حذرت رئيسة المحكمة العليا السابقة، القاضية إستر حايوت، من "تراجع خطير في قواعد اللعبة الديمقراطية"، مشيرة إلى "حملة ممنهجة لنزع الشرعية عن السلطة القضائية". أما الرئيس السابق للمحكمة العليا، القاضي عوزي فوغلمان، فركز على "التآكل المستمر في مكانة الموظفين العموميين"، وانتقد الخطاب الحكومي الذي يصف المؤسسات المستقلة بـ"الدولة العميقة"، معتبرًا أن الإصلاحات التشريعية الأخيرة تهدف إلى تقليص صلاحيات النائب العام وتحويل القضاء إلى أداة بيد السلطة التنفيذية.
وفي رد سريع على هذه التصريحات، هاجم وزير العدل ياريف ليفين رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت بشكل شخصي، متهمًا إياه بالانحياز، في سياق تصعيد جديد بين الحكومة والجهاز القضائي.
وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد الأزمة السياسية والدستورية في إسرائيل، وسط اتهامات للحكومة بالسعي إلى إعادة هندسة النظام السياسي دون رقابة أو توازن بين السلطات. ولا تُعد هذه المواقف معزولة، إذ سبق أن صدرت تحذيرات مشابهة عن مسؤولين إسرائيليين كبار.
فقد حذر رئيس أركان الجيش الأسبق دان حالوتس من أن إسرائيل "تسير في اتجاه خطير نحو تفكيك الديمقراطية"، بينما قال رئيس الموساد الأسبق تامير باردو إن سلوك الحكومة "يقوض أسس النظام الديمقراطي ويمهّد لحكم فردي غير خاضع للمساءلة". كما حذر رئيس الشاباك الأسبق نداف أرغمان من أن "الهجوم المنهجي على القضاء يهدف إلى تأمين البقاء السياسي بأي ثمن".
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، فقد وصف حكومة نتنياهو بأنها "الأكثر خطورة في تاريخ إسرائيل"، معتبرًا أن ما يجري هو "تفكيك متعمد للديمقراطية والانفراد بالسلطة"، مؤكدًا أن إدارة الدولة باتت تقوم على "الولاء الشخصي لا منطق المؤسسات".
وتتقاطع هذه المواقف مع تقديرات أكاديمية وإعلامية داخل إسرائيل ترى أن السيطرة على تعيين القضاة، وإضعاف المستشارين القانونيين، والتضييق على المعارضين، تمثل جميعها مؤشرات واضحة على تحول تدريجي نحو نمط حكم سلطوي.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق