مرّ عامان على ذلك اليوم الذي انقلبت فيه موازين الشرق الأوسط. السابع من أكتوبر لم يكن مجرّد حدث عابر، بل زلزال سياسي وعسكري وإنساني امتدّت ارتداداته من غزة إلى تل أبيب، ومن بيروت إلى طهران، وصولاً إلى البحر الأحمر وعواصم العالم.

في غزة، عامان من الدم والجوع والدمار. جثث تحت الركام، أحياء محاصرون بالحصار والجوع، ونازحون تائهون في مخيمات مؤقتة يبدو عن مأوى ولقمة ودواء. ارتقى عشرات الآلاف، وبقي الخوف الأكبر هو أن يتحوّل النزوح المؤقت إلى تهجير دائم. ومع ذلك، يتشبث الغزيون بالأرض، يرفعون الأذان في الخرائب ويُحيون ذكرى الشهداء بالاسم والصورة والصوت.

في لبنان، الحرب لم تُقاس بعدد الضحايا، بل برمزية الاغتيالات. ارتقى السيد حسن نصر الله، ومعه قيادات بارزة كهاشم صفي الدين وفؤاد شكر. اغتيالات هزّت الحزب من رأسه وأدخلت جمهوره في صدمة تاريخية، لكنها لم تُنهِ المواجهة. الجنوب ما زال يتعرض لغارات يومية رغم وقف إطلاق النار، ليبقى لبنان ساحة مفتوحة، نصفها حرب ونصفها انتظار لجولة جديدة.

إيران دخلت المشهد تدريجيا حتى الوصول الى   حرب حزيران الأخيرة. صواريخ ومسيّرات عبرت آلاف الكيلومترات، وغارات إسرائيلية وصلت قلب طهران. الحرب خرجت من الظل إلى العلن، معلنة أن الصراع لم يعد محصوراً بين إسرائيل وغزة، بل صار مواجهة إقليمية بكل معنى الكلمة.

من اليمن، انطلقت الصواريخ نحو إسرائيل، والبحر الأحمر تحوّل إلى ساحة حصار بحري ونزاع دولي على طرق الملاحة. تلك الجبهة أكدت أن غزة ليست وحدها، وأن المعركة اتخذت أبعاداً أوسع من حدود فلسطين.

وفي العالم، امتلأت الشوارع بملايين المتظاهرين. من لندن إلى نيويورك، ومن كيب تاون إلى جاكرتا، رُفعت الأعلام الفلسطينية وهتفت الحناجر ضد الحرب. أساطيل التضامن تحدّت الحصار، آخرها أسطول الصمود الذي حاول إيصال المساعدات رغم اعتراض البحرية الإسرائيلية. وعلى المستوى السياسي، تزايدت الاعترافات بالدولة الفلسطينية، خطوة بعد أخرى، وكأن دماء غزة أعادت رسم خريطة الشرعية الدولية.

اليوم، وبعد عامين من المجازر والاغتيالات والانفجارات، يلوح في الأفق مسار مختلف. مقترح ترامب الأخير بشأن إطلاق الأسرى ووقف الحرب فتح باباً لتحرك واسع في القاهرة، بضغط إقليمي ودولي غير مسبوق. يبدو أن النهاية أقرب من أي وقت مضى.

لكن النهاية، مهما كانت، لن تمحو الحقيقة: أن السابع من أكتوبر أعاد كتابة تاريخ المنطقة، وأن غزة دفعت الثمن الأكبر، الا ان اسرائيل ورغم كل هذا، لم تنتصر

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com