في تحليل شامل للمشهد الجيوسياسي الراهن، أكد المحلل والمستشار السياسي البحريني، د. أحمد الخزاعي، في حديث خاص لموقع "بـكرا"، أن الحرب الروسية الأوكرانية أعادت صياغة النظام الدولي، ولكن بشكل لا يخدم أوروبا، التي وجدت نفسها في موقع الخاسر الاستراتيجي، نتيجة انخراطها في صراع لم يكن من صنع قرارها، بل جاء نتيجة لهندسة أمريكية محكمة.

واشنطن تشعل النار وتنسحب... وأوروبا تدفع الثمن

وقال د. الخزاعي: "منذ اندلاع الحرب، بدا وكأننا نعيش فصلاً جديداً من صراعات الحرب الباردة، لكن هذه المرة بأدوات وتحالفات أكثر هشاشة. أوروبا وجدت نفسها متورطة في حرب استنزاف، شُجعت أوكرانيا على خوضها، تحت مظلة دعم غربي، تقوده الولايات المتحدة."

وأشار إلى أن الولايات المتحدة لم تكن تسعى فقط إلى ردع روسيا، بل كانت تدير الأزمة من منظور استراتيجي بعيد المدى، يخدم إعادة تموضعها على الساحة الدولية، وقال: "واشنطن بدأت تنسحب تدريجيًا من المشهد، وتُهيئ الأرض لتقارب محتمل مع موسكو، بالتوازي مع إعادة تركيز أولوياتها نحو آسيا، وخاصة الصين."

وأكد الخزاعي أن هذا الانسحاب لا يعني تخليًا عن أوكرانيا، بل يعكس فهماً أمريكياً لموازين القوى، وأضاف: "الولايات المتحدة تسعى للخروج من الحرب كوسيط سلام أو شريك في إعادة الإعمار، بينما تترك أوروبا تغرق في عداء طويل الأمد مع روسيا، بتكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة."

أوروبا بلا قيادة استراتيجية... وتوازنها الداخلي مهدد

وفي تقييمه لوضع أوروبا، أوضح د. الخزاعي أن القارة العجوز تمر بمرحلة فقدان للقيادة والمبادرة، وقال: "أوروبا، التي لطالما تباهت بنموذجها الاجتماعي وقوتها الناعمة، أصبحت اليوم رهينة للقرار الأمريكي، وغير قادرة على رسم سياسة خارجية مستقلة."

وأضاف أن العقوبات على روسيا انعكست سلباً على أوروبا، وأدخلتها في أزمات اقتصادية متلاحقة، من بينها أزمة الطاقة، والتضخم، وتباطؤ النمو، ما أدى إلى تهديد الاستقرار الداخلي، وصعود التيارات الشعبوية.

ولفت إلى أن المملكة المتحدة، رغم خروجها من الاتحاد الأوروبي، لم تنجُ من هذا الفخ، مشيرًا إلى أن رهانها على التحالف مع واشنطن قد يتركها في عزلة استراتيجية في حال غيّرت أمريكا موقفها، وقال: "إذا ما توسعت رقعة الحرب، فستكون كلفة إعادة الإعمار هائلة، وقد تجد أوروبا نفسها وحيدة في تحمل العبء المالي والسياسي."

تحولات محتملة في النظام العالمي... وصعود قوى بديلة

وتحدث الخزاعي عن تحولات مرتقبة في النظام الدولي، وقال: "نحن أمام ثلاثة تحولات رئيسية: أولاً، تقارب أمريكي روسي بدافع المصالح المشتركة في مواجهة الصين، ثانيًا، انقسام في الموقف الأوروبي بين دول تسعى للتهدئة وأخرى تصر على التصعيد، وثالثًا، صعود قوى جديدة – مثل تركيا، الصين، ودول الخليج – كلاعبين مؤثرين في رسم خارطة العالم المقبلة."

وأكد أن ما يحدث ليس مجرد حرب على حدود أوكرانيا، بل هو تفكيك لمنظومة التحالفات القديمة، وإعادة رسم لخريطة النفوذ العالمية، مضيفًا: "أوروبا تحولت من شريك استراتيجي إلى ساحة صراع، بينما الولايات المتحدة تعيد تعريف مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها."

دعوة لإعادة التفكير في الدور الأوروبي

وفي ختام حديثه، دعا د. أحمد الخزاعي القادة الأوروبيين إلى مراجعة جذرية لدور أوروبا على الساحة الدولية، قائلاً: "من الضروري أن تعيد أوروبا النظر في موقعها، وأن تعمل على صياغة سياسة خارجية مستقلة لا تكون رهينة القرار الأمريكي، ولا أسيرة للعداء مع روسيا."

وختم بالقول: "المستقبل لا يُصنع بالولاء، بل بالقدرة على التوازن وفهم التحولات الكبرى التي تعيد تشكيل النظام العالمي."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com