الفقدان والحداد
Loss and Mourning
د. محمود صبحي سعيد - متخصص في علم النفس التربوي والعيادي والصدمي
الحداد هو عملية إعادة صياغة مرتبطة بفقدان أحد أفراد الأسرة. ويمكن أن يكون مؤلمًا وصادمًا جدًا، وعادةً ما يتميز بمشاعر الحزن أو الغضب أو الذنب أو الفراغ. تعد معالجة الفقدان أمرًا ضروريًا حتى نتمكن من بدء الحياة من جديد بهدوء، ومنع تحوله إلى صدمة متجذّرة قد تؤدي لاحقًا إلى اضطرابات نفسية حادة.
مراحل الحداد النفسية: من الصدمة إلى القبول
في السبعينيات، اقترح العالمان كولن موراي باركس وجون بولبي نموذجًا من أربع مراحل للحداد:
الصدمة والخدر (Shock and numbness): شعور بالخدر والذهول، كرد فعل دفاعي طبيعي مباشر بعد الفقدان.
الشوق والبحث (Longing and searching): محاولة نفسية لملء الفراغ، يظهر خلالها البكاء والغضب والانشغال.
الفوضى واليأس (Chaos and despair): انسحاب من المحيط، مشاعر لامبالاة وتساؤلات عن جدوى الحياة.
إعادة التنظيم والانتعاش (Reorganization and recovery): بداية الاندماج في الحياة مجددًا، مع بقاء الذكرى حاضرة لكن أقل ألمًا.
أما إليزابيث كوبلر روس فقد طرحت نموذجًا خماسيًا أصبح مرجعًا في فهم الحداد:
الإنكار
الغضب
المساومة
الاكتئاب
القبول
مع التنويه أن الترتيب قد يختلف من شخص لآخر، كما أن المراحل قد تتداخل أو تتكرر.
كيف نتعامل مع الحداد؟ ومتى نطلب الدعم؟
الحداد ليس له مدة محددة. قد تستمر مشاعر الفقدان القوية من عدة أشهر وحتى أكثر من عام، وقد يعود الحزن في موجات مفاجئة. من الضروري:
— إعطاء النفس الوقت اللازم
— تقبّل الألم كجزء من عملية الشفاء
— عدم مقارنة تجربتك بتجارب الآخرين
— البحث عن دعم نفسي أو اجتماعي عند الحاجة
إذا شعرتَ بالضياع أو بعدم القدرة على التماسك، فإن التوجّه إلى مختص نفسي أو إلى مجموعة دعم قد يكون المفتاح للتوازن.
آليات الدفاع النفسية خلال الحداد
يلجأ الإنسان في الحداد إلى عدد من الآليات النفسية اللاواعية لتقليل المعاناة أو مقاومتها، منها:
— التسامي: تحويل الألم إلى فعل إيجابي أو إبداعي
— الإنكار: رفض الواقع المؤلم أو تجاهله
— الإزاحة: نقل المشاعر السلبية إلى موضوع أو شخص آخر
— العزلة: الانسحاب الوجداني عن التجربة
— الإسقاط العدواني: تحميل الآخرين مسؤولية الغضب
— التبرير: محاولة عقلنة الألم لفهمه
— النكوص: العودة لسلوكيات طفولية أو قديمة
وتعود هذه الاستجابات لمحاولات داخلية لحماية النفس من الانهيار، لكنها قد تحتاج لتوجيه إذا استمرت وأعاقت التكيّف السليم.
الحداد تجربة إنسانية عميقة، لا يمكن الهروب منها، لكنها أيضًا فرصة للنمو النفسي والروحي، إذا ما تمكّنا من احتضان الألم، ومنح أنفسنا الوقت والرحمة.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق