في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية حول الملف النووي الإيراني، والتلويح المستمر بخيارات عسكرية، التقى موقع "بكرا" بالمحلل السياسي الأردني ماهر أبو طير، الذي فتح لنا أبوابًا لفهم الخلفيات الحقيقية وراء هذه التهديدات، وناقشنا معه أبعاد المفاوضات الجارية، وأطرافها الخفية، ومآلات الصراع في المنطقة.
بكرا: ما هي دوافع الولايات المتحدة في هذا التصعيد المستمر تجاه إيران، برأيك؟
أبو طير: من الواضح أن واشنطن لا تريد فعليًا الدخول في حرب مع إيران. خلف التهديدات هناك حسابات اقتصادية ضخمة، فالإدارة الأميركية – خاصة في ظل السياسات التي ينتهجها البيت الأبيض – ترى في إيران سوقًا ضخمة لمئات المليارات من الدولارات في حال تم رفع العقوبات. الأميركيون لا يريدون أن تذهب هذه الأموال إلى الروس أو الصينيين، بل يسعون لضمان حصة أميركية في مشاريع البنى التحتية والطاقة والإعمار في إيران ما بعد الاتفاق.
بكرا: هل هناك مؤشرات على مفاوضات سرية تجري حاليًا؟
أبو طير: بالتأكيد. اللقاءات التي تجري في سلطنة عمان وإيطاليا تحمل دلالات واضحة، وهي غطاء للاتصالات السرية التي تجري عادة خلف الكواليس. هذه الاتصالات لا يتم الإعلان عنها غالبًا، لكن أي توافقات علنية هي نتيجة تراكم جهود سرية لا تظهر للرأي العام إلا لاحقًا.
بكرا: ماذا عن موقف طهران من هذه المفاوضات؟
أبو طير: هناك تيار واضح داخل القيادة الإيرانية، يمثله الرئيس الحالي ونائبه جواد ظريف، يفضل الذهاب إلى صفقة. لكن في المقابل، تخشى طهران من تراجع أميركي لاحق، خاصة إذا تخلت إيران عن مخزونها من اليورانيوم المخصب. لهذا تفضل طهران تخفيض نسب التخصيب بدلاً من نقل المواد إلى خارج إيران. وهناك حتى طروحات تتعلق بإشراك شركات أميركية في إدارة مواقع التخصيب بشراكة مع جهات دولية كحل رقابي اقتصادي.
بكرا: البعض يرى أن إيران فقدت أوراق ضغطها في الإقليم.. هل تتفق مع ذلك؟
أبو طير: جزئيًا نعم. إيران خسرت الكثير من أدوات نفوذها في سوريا ولبنان وحتى غزة، والوضع في اليمن لا يخدمها كما في السابق. العراق قد يكون الورقة الوحيدة المتبقية، لكنه مليء بالتعقيدات أيضًا. ومع ذلك، تبقى قوة إيران كامنة في قدرتها الجيوسياسية على إشعال حرب إقليمية شاملة إذا وقع الصدام، وهو أمر تخشاه كل الأطراف، بما فيهم الأميركيون والعرب.
بكرا: هل ترى أن الصفقة ممكنة رغم الخلافات الكبيرة حول التخصيب والصواريخ؟
أبو طير: من غير الممكن الجزم، لكن الأطراف كافة تحاول تفادي الحرب. واشنطن تريد نتائج واضحة في ملف التخصيب والصواريخ البالستية، لكنها في الوقت ذاته تطمع في الدخول إلى السوق الإيرانية الضخمة. هنا تكمن المفارقة: واشنطن تلوّح بالحرب لكنها تسعى لحصاد اقتصادي ضخم من ثروات إيران. وهذا يعكس تحوّلاً في السياسات الأميركية، نحو حروب اقتصادية بدل العسكرية.
بكرا: ماذا لو تجاوبت إيران وجمّدت برنامجها النووي، لكنها لم تضمن للأميركيين نصيبًا اقتصاديًا؟
أبو طير: هذا سؤال جوهري. في هذا السيناريو، لن يكون هناك دافع حقيقي لواشنطن للمضي قدمًا في الصفقة. ولهذا السبب، المفاوضات السرية تحاول التوفيق بين الأمن والمصالح الاقتصادية. القصة لم تعد فقط عن نسبة تخصيب اليورانيوم، بل عن النفوذ والمشاريع والاستثمارات والهيمنة الاقتصادية المستقبلية.
بكرا: كيف يمكن تلخيص المشهد إذًا؟
أبو طير: باختصار، التخصيب النووي هو مجرد عنوان لمواجهة أوسع. تحت هذا العنوان، تتصارع القوى الكبرى على من سيحصد ثروات إيران في حال رفع العقوبات. هذه هي العقدة الغامضة التي تُحرّك كل هذا التصعيد.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق